حوار الأربعاء العلمي 1432هـ/03

البعد المقاصدي في الفكر الأوروبي: مقارنة منهجية

د. عبدالرزاق سعيد بلعباس
معهد الاقتصاد الإسلامي
جامعة الملك عبدالعزيز – جدة – المملكة العربية السعودية
abelabes@kau.edu.sa

المستخلص. تهدف هذه الورقة إلى تسليط الضوء على البعد المقاصدي للمفكرين الأوروبيين لتحليل ماهيته وخلفياته المعرفية. فبعد بيان أن المسألة المقاصدية كانت مطروحة عند فلاسفة اليونان وعلماء النصارى، يتضح أن الفكرة القائلة بأن الذي يقود الفكر الأوروبي هو الوسائل والنتائج مقابل المقاصد والنيات في الفكر الإسلامي تحتاج إلى مراجعة. فالنخب الفكرية الأوروبية المؤثرة منذ الفترة التنويرية، سعت إلى تفادي المسألة المقاصدية بصيغتها المطروحة في تراثها الفلسفي والديني بالتركيز على الوسائل بحجة أن المسألة المقاصدية ليست من مباحث العلم. ومع مرور الزمن وتطور العلم التجريبي وتنوع تخصصاته، سرعان ما تبين أن تفادي المسألة المقاصدية أمر شبه مستحيل، ولكنه اختزل في عملية ميكانكية تتمثل في الأداء والتكيّف والضبط الذاتي. ومن الغريب أن بعض الكتابات في التمويل الإسلامي تميل إلى اختزال مبحث المقاصد في مسألة الأداء والتكيّف ومجاراة ماهو سائد، متأثرة في ذلك، من حيث لا تدري، بالطرح المقاصدي الحديث السائد في الأوساط الأكاديمية الذي ينأى بنفسه عن أي صلة بالدين. ومن هنا، فمن الضروري فحص هذا التنافر المعرفي من أجل تجاوزه. من جهة أخرى، إن الحوار بين المنشغلين بالمسألة المقاصدية من حقول معرفية مختلفة قد يشكل فرصة لإعادة الاعتبار للبعد المقاصدي وبلورة تفاعلات بين الغاية والوسيلة، بين النيّة والنتيجة، بطرح تساؤلات جديدة في إطار مرحلة ما بعد الحداثة. بناء على هذه المقارنة، يتضح أن المبحث المقاصدي ليس حكرًا على المسلمين، وأن أهمية البعد المقاصدي الإسلامي تتمثل في المقام الأول في ارتباطه بأحكام الشريعة، وليس في استخدامه كأداة معرفية قائمة بذاتها. والكشف عن المقاصد يتحقق في الغالب من خلال إنعام النظر في نصوص الكتاب والسنة واستقرائها. ولو كان للعقل أن يتوصل وحده إلى مصلحة الناس بكافة أبعادها، لما كان هناك حاجة لإرسال الرسل وإنزال الكتب. وفي النهاية يتضح بأن المسألة المقاصدية إذا كانت عند النخب الفكرية الأوروبية لا تتعدى في أحسن الحالات المصالح الدنيوية وما يرتبط بها من متطلبات خلقية واجتماعية وبيئية، فإن البعد الإسلامي يتضمن المصالح الدنيوية والأخروية، بل إن المصالح الدنيوية تابعة للمصالح الأخروية. وإذا كان الحديث عن المقاصد أمر مهم، فإن القضية الجوهرية في نهاية المطاف تكمن في مدى إنعكاس ذلك على السلوك الفعلي.

الكلمات المفتاحية: المقاصد، الفلسفة، الدين، الإسلام، النصرانية، أوروبا.


آخر تحديث
1/30/2012 11:16:14 AM